....





في مكان إحداثياته مفقوده
معالمه ليست مدلولة
البوصلة فيه تتعطل ، والساعة كانت مفقوده

شخصان وجدوا أنفسهم في وسط اللا شيء
فقط أرض تدثرها سماء منجومة

عيناه تتسائلان عن الشخص الآخر
وعيناها تتسائلان من يكون .. !
يتسائلان أين هما ،، كيف جائت بهما السماء إلى هنا !؟
ولما .. ؟

ثلاثة أمتار كانت المسافة بين الرجل والمرأة الغجرية
ثلاثة أمتار أجازت لعيناهما أن تتصافحا
عينان تملؤها دموعاً كانت لتسقي الأرض لو اُذن لها
وأُخرتان دافئتان ..

هناك بدأ خطاب من نوع مختلف ..
مجتازاً حدود اللغة ، حدود الدين ، حدود النوع ، حدود الأصل والعِرق ..
خطاب لونه أزرق وآخر أسود ...
سطرٌ باللون الأزرق وسطرآخر بالأسود ..

حديث مقتضب لكنه كان كفيلاً بـ ولادة هلال أجمل من ذاك المرسوم في جبين السماء
هلال باللون الزهري
حديث أنجب إبتسامة بريئة خجلة ..

ثم عاد الصمت يلف المكان ..
صمت يوقضه نسيم يلاطف بعضه
أرض غير رابية .. وسماء تجاهد لون شعر الغجرية

ترجل ذو القامة الممشوقة من صمته آخذاً الإذن من السماء
تحدثا ثم اتفقا على المضي بحثاً عن أي شيء
أذنت لهما الأرض ...

بعد المضي تحت أكثر من سماء ..
تبادلا الشعور بالظمأ منضمين بذلك إلى الأرض التي تملؤها تشققات وخطوط فارغة
تبدو وكأنها سيدة عجوز تبلغ من العمر عِتيا ..

الأعين تترقب ماهو جديد .. ولاترى إلا أرض تُعيد نفسها ..
.
.
صوت آت من ناحية مختلفة
إصطدام تعلوا وتيرته تارة وتنخفض تارة أُخرى ..
توجها نحو الصوت بترقب
إقتراب .. إقتراب فـ إقتراب ..
إنها الرحمة الإلهية ..
بصوت ضعيف أثر فيه الجفاف الذي كاد يُوقف آخر أنفاسه " مـــاء "
ماء يداعب رمال الشاطئ ..
هو محيط أم بحر في وسط المجهول .. لا أحد يعلم ؟!
الأكيد والأهم أنه ماء ..
إكسير الحياة الذي أعاد للرجل والمرأة الغجرية لوناهما .

بالقرب من الماء كانت شجرة متهالكة ذات أوراق مصفرة
أشبه ماتكون راكعة وأقرب ماتكون تريد السجود
او ربما أغصانها تتطاول الماء منذ اكثر من عقد من الزمن ..

رياح آتية يعنونها الشتاء ،،
للأرض لحافها الأسود المُزان بهلال أبيض ..
وسماء تؤنسها نجومها ..
وبحر يدفئه حركته التي لاتكاد تتوقف ..
اما هما ،،
فـ الأجواء الباردة جعلت منهما أبرع راقصين على مسرح مجهول
مساء ، عمره يناهز عمر الشجرة قضاه الإثنان متكئين على جذعها النحيف المترهل
حنت الشجرة العجوز على ساكنيها وبدأت تعزف أجمل لحن متخذة أوراقها آلة والرياح وسيلة
حتى سقطت الأجفان وتمايلت الرؤوس .



الفصل الثاني :


مع بداية يوم ثاني
وعندما انتصفت الشمس سمائهما
استيقظت الغجرية ومازالت الحيرة تُعنونها
ولا زال البحث عن دلالة من اي نوع نُصب أعينها
لاشيئ سوى صحراء قاحلة ..
منفردة مع رجل غريب ولم تكن سوى شجرة تزاحم خلوتهما

دقائق حتى أفاق الرجل ..
خطى قليلاً ناحية المرأة وبدأ خطاب يوم آخر
لاجديد فيه سوى أنه في يوم آخر
ذات الحديث الذي دار بينهما بالأمس
ضرورة المضي والبحث عن شيء ..
اي شيء قد يفيقُهما من حيرتهما ..

المرأة الغجرية لم تعتد الحديث مع الغرباء
ولم تعتد مصاحبة الغرباء في أي مكان
لكنها وبمضض اقتنعت ،، لانها تعلم انه لاخيار لديها سوى الموت إن بقيت هنا لوحدها

بدأ الرجل بالمسير ومن خلفه بعدة امتار كانت الغجرية
ربما كانت بداية حياة ،، وربما نهايتها ..

إقتصد الرجل قليلا في بعثرة خطواته حتى تصاحبن خطواته و خطواتها
اراد الرجل أن يمهل صبر المرأة قليلا قبل ان يدنوا من نهايته
فـ ابتدأ حديثه بالتعريف عن نفسه وكانت تلك بداية محادثة حقيقية بين طرفان أحدهما مجهول والآخر مجهول ..
هو يتيم من إحدى مدن الأرض ..
وظيفته البحث عن الحقيقة ..
اما هي .. إمرأة اعتادت العيش في كوخ في أحد الأرياف
حيث كانت ترعى الأغنام في سهول ريفها المُخضر ..
واستمرا يتناولان اطراف الحديث حتى بدت لهما الشمس وكأنها تختبئ تحت الأرض

مساء آخر ..
بعيداً عن الماء ،، بعيداً عن الشجرة ،، وبعيداً عن أي مخلوق يتنفس
الأمل يتضائل بعد كل خطوة نحو المجهول ..
أرض تُعيد نفسها ولمساحات طويلة
هلال لايكاد ينمو وكأنه لاوجود لحياة في أرض او في سماء ..

توقفت المرأة بعد ان أعياها التعب .. وبعد أن بدأت تترحم على الحياة
توقف الرجل وهو يعلم أنه لايستطيع ان يلوم الغجرية على مايحدث لها
لمح السماء بعينين واثقتين واخذ يتبسم
نظرت إليه الغجرية متعجبة سائلة " مالذي يثير شفاهك لتتبسم ؟ "
لكنه آثر السكوت ..

انفاس قليلة حتى بدأت السماء تتراقص
لمعان يُفصل جسم السماء
رياح محملة بأنفاس تدعوا للأمل
بدأت السماء بالبكاء ..
امطار غزيرة تنهمر معبرة عن مدى شوقها للأرض التي فارقتها طويلاً ..
اشار الرجل بإصبعه ناحية السماء " لهذا كنت اتبسم "
" كنت أعلم أنها لن ترانا هكذا وتتركنا "

بعد يوم كان مليئ بالخطوات التي لم تنجب املاً
قررا أن يقضيا مابقى من مسائهما الممطر حيث هما .



الفصل الثالث :


مع ولادة شمس جديدة كانت الأمطار قد توقفت ،، الرياح وقد سكنت
عطش الأرض وحده يخبر لما عاد الجفاف الي سطحها مرة اخرى
والكائنان الوحيدان يتنفسان هدوء المكان ..

أفاقت المرأة لتجد صديقها يقف فوق تلة كانت غير قابلة للرؤية مع ظلمة مساء الأمس
ينظر الى أي مدى ستبقى الصحراء خرساء قبل أن تتحدث
إتجهت المرأة الغجرية الى الرجل المدني لترى حزناً يملاء عيناه
" مابك ؟ " سألت الغجرية
اجابها معبراً عن مدى خطورة الخطوة القادمه نحو الأمام
لادليل نجاة على مرمى البصر
لاضمانات بسقوط أمطار أخرى فوق صحراء هي نفسها تائهة ..

بينما كان الرجل لايظل واقفاً ينظر ويفكر في ماالذي يجب فعله
تقدمت المرأة وبكل شجاعة مكملة الرحلة نحو المجهول غير آبهة بما قد يحدث
لأنها كانت تؤمن بضرورة الرهان على مابقي لهما من عمر في سبيل النجاة .

اخذوا بالمسير مسافة يوم تتقطعه راحة لساعات قليلة بدون ماء او كلأ
الأرض اليابسة أثرت على أقدامهم الحفاة
فكانوا يسيرون خطوة ويقفون اخرى ..
كانت تتلاقى الأعين بعد كل مسافة تُقطع ..
وكأنهما يخبران بعضهما أنه لاجديد يذكر بل قديم يعاد
ثم تعود الرؤس مطئطئة نفسها ..
كسرت الغجرية صوم لسانها الذي أصبح كـ الخشبة اليابسة من الضمأ
وتحدثت إلى الرجل :
" قلت بالامس أنك باحث عن الحقيقة .. أي حقيقة تعني ؟ "
رفع رأسه الذي أصبح عبئاً عليه ونظر الى الصحراء وأجاب
" اليوم أنا أبحث عن حقيقة مانمر به "
لم تكن المرأة الغجرية تبحث عن هذه الإجابة ،، اليوم كلاهما يبحثان عن حقيقة مايمرون به
فـ علمت أنه لايريد التحدث عن حقيقة ماكان يعني بـ " باحث عن الحقيقة "


بينما كانا يسيران مواصلين بحثهما عن آية
تهاوى ذالك الجسد الخمري على الأرض
أصبح ذالك الهلال الزهري أشبه بعود يابس
والوجه الغجري ورقة بالية ..

كان على الرجل أن يعمل أي شيئ قبل أن تموت تلك الزهرة اليابسة
لايريد أن يتيتم مرة أخرى من إمرأة صاحبته لأيام
ترك المرأة ممددة على الأرض الفقيرة ومتوسدة إحدى الصخور
واتجه مكملا بحثه مكرما الطريق بخطوات أكثر وأسرع ..
لم يكن يقبل فكرة رحيل المرأة الغجرية إلى السماء تاركة إياه وحيداً ..
كان يجري ولا يعلم عن ماذا يبحث ..
ربما هناك أمل حاضر لكنه تائه هو ايضاً ..

الشمس الحمراء أخذت من الرجل مأخذاً عظيما
احرقت مابقي له من قوة فـ توقف لبرهة واضعاً كفيه على ركبتيه ليملاء رئتيه بالهواء الحار
ماء يسيل علي وجه الرجل آتيا من الأعلى
واعني من رأسه الذي يتصبب عرقاً وليس من سماء أرضعت أرضها آخر قطراتها



الفصل الرابع :


اكمل الرجل مسيرته حتى المساء بخطوات كانت قد بدأت تحتضر
وكان يفكر بتلك الغجرية التي تركها في سبيل الأمل
أما زالت تتنفس ام أنها انضمت للنجوم التي تُزين السماء

بينما كان يخطو آخر خطواته ترائي له وادياً من بعيد
إستجع قواه الأخيره للأمل الآخير ..
إتجه صوب الوادي وقدماه تحيكان الأرض
إتجه وعين على السماء وأخرى ناحية الوادي

وصل اخيراً فوق اعلى نقطة في الوادي ونظر الى إسفله
ايخيل له .. ام ان هناك قوم ورعية ..؟!
إستبصر المكان السحيق وأيقن أن هناك رعية مادام هناك ماء يجري

هبط الوادي بخطوات اسرع من ذي قبل
إرتوى بلا روية واستنجد رأيس القوم بقربة يملؤها وخيل يمتطيه بعد أن أخبرهم قصته
وكان له مااراد ..

عاد مسرعاً إلى المرأة التي تركها وحيدة
مسرعاً إلى تلك التي تركها وهي بأنصاف أنفاس
متجهاً اليها ونبضات قلبه تسابق الخيل
كان يطلب آخر امنياته وأغلاها ...

عندما كانت الأنفاس توشك على التوقف ،، كان هو عند قدميها
سقاها الماء الذي كان يبدو لها ماء سكر وسقط هو بجانبها
كان التعب يأكل من جسمهما ...
كانوا ينظرون الى السماء ذات الهلال الواحد والنجوم المُتعددة المنثورة بمهاراة فوق سجادة سوداء ..
كانوا كـ من وُلد من جديد .. ينظرون إلى الأشياء بمنظار مختلف ..

تحدثت الغجرية إلى صديقها وقالت :
كنت أعيش مع أمي وأبي الهرِم في كوخ تملئه رائحة الصنوبر
في كل يوم عندما تكشف الشمس عن نفسها اقود قطيع الماشية في الجبال
وكنت عندما أخرج لأرعى الماشية أطلب من الرب أن يُبدلني بحياة غير التي اعتدت عليها
وربما هذا ماحصل لي ..

تبسم الرجل وأشاح بنظره ناحية الغجرية وقال :
توفيت أمي عندما كنت صغيراً ،، حينها لم أكن أعي ماهو الموت
فـ كنت دائم السؤال عنها وأين ذهبت ..
عندما عرفت معنى الموت ومدى قسوته عندما يسلب أجمل مالديك
أحببت أن أبحث في كل شيء ..
كنت اجول العالم وأبحث عن حقيقة كل شيء ..
كنت أرى الناس يحيون دونما أدنى فكرة حول مايدور حولهم ولما وُجدوا
أرى أناس لايسعون سوى وراء خبز يومهم ..
فـ سألت الرب حينها أن يبدلني بأرض غير تلك الأرض
وبأناس غير اولئك ..
ثم كنت هنا ...

هنا تعلمت معنى أجمل للحياة ..
تعلمت أن الحياة ليست دائماً كما تبدو ..
تعلمت أن الحقيقة تحتاجُ البحث دون توقف ..
تعلمت أن العالم لاينتهي بمحنة ،، وكل المحن عابرة
تعلمت أن الحياة أجمل بإستئصال كلمة مستحيل ..
تعلمت من السماء معنى الأمل ..
ومن النجوم تعلمت أن الجمال في كل مكان ،، نراه فقط عندما نريد أن نراه .


هنا ،، كنا نبحث أن أنفسِنا
كنا نبحث عن الحياة .. ووجدناهما .


إنتهى ...

Done by : Me
Assist : My pretty wife, Hawra'a
.

إلى سيدة قلبي الأولى ،،
إقبلي تواضع قلمي أمام جمال ماتملُكين .
.
.